إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
shape
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
107358 مشاهدة print word pdf
line-top
اتصاف المولى عز وجل بالغنى

انتقل بعد ذلك إلى صفات ذاتية وفعلية.
وهو الغنـي بذاتــه سـبحانــه
جل ثنــاؤه تـعـالـى شـانــه
( الغني بذاته ) أي: أن وصف الغنى له وصف ذاتي، أثبته الله -تعالى- فقال تعالى: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي: استغنى عنهم، وعن إيمانهم فهو غني حميد، وقال تعالى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ وصف نفسه بأنه هو الغني، وأن خلقه هم الفقراء، وقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أي: أنه غني عن عبادتكم، وغني عن إيمانكم، وغني عن أعمالكم، لا تنفعه طاعة المطيعين، ولا تضره معصية العاصين.
وجاء في حديث أبي ذر القدسي: أن الله -تعالى- يقول: يا عبادي، إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني يعني: أن أعمالكم لا تزيد ولا تنقص في ذات الله -تعالى- ولا في ملكه، وفي هذا الحديث يقول: يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته؛ ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يعني: أنه –سبحانه- خزائنه ملأى.
ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم في الحديث: يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه يعني: أنه –سبحانه- يعطي كما يشاء، ولما وصفه اليهود بقولهم: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعني: عن العطاء؛ مغلولة عن العطاء فهو بخيل؛ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ مبسوطتان بالعطاء ينفق كيف يشاء، عطاؤه كلام، وعذابه كلام إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فالله - سبحانه وتعالى - هو الغني بذاته، والمخلوقون فقراء إليه.
فالله -تعالى- موصوف بأنه له الغنى الذاتي، والمخلوق له الفقر الذاتي. يعني: إن المخلوق فقير بالذات، ولو ملك ما يملك فإنه يعتبر فقيرا؛ لأنه سوف يذهب أو يُذهَب به، ويفارق ذلك الملك وذلك المال ونحوه، في بيت منسوب لشيخ الإسلام - رحمه الله - يقول فيه:
فالفقر لـي وصف ذات دائما أبــدا
كما الغنـى أبدا وصـف لـه ذاتــي
( فالفقر لي ) يعني: أنا الإنسان.
فالفقر لي وصـف ذات دائما أبــدا
كما الغنـى أبـدا وصف لـه ذاتــي
وصف ذات لله - سبحانه وتعالى - فهذا معنى قول الناظم: ( وهو الغني بذاته سبحانه ). يعني: موصوف بالغنى غنى بالذات ( جل ثناؤه تعالى شأنه ). جل ثناؤه يعني: عظم الثناء عليه. تعالى شأنه أي: تعالى وتقدس شأنه.
وكل شـيء رزقــه عـلـيــه
وكلنــا مفتـقـــر إلـيــــه
وما من دابة. أي: في الأرض ولا في السماء. وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ويقول تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ فكل شيء رزقه على الله تعالى، يسر الله -تعالى- لها الأرزاق، وسهل لها الحصول على رزقها، وخلق لها قوتها، وجعل لكل شيء قوتا يناسبه، فلا تكاد تجد دابة ميتة من الجوع: لا طيرا، ولا حشرة، ولا وحشا، ولا غير ذلك. بل جعل الله تعالى لها من الرزق ما تقتات به، وما تعيش به في هذه الحياة الدنيا، ( فكل شيء رزقه عليه، وكلنا مفتقر إليه ) أي: كلنا فقراء إلى الله تعالى، كما في الآيات التي ذكرنا: أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ .

line-bottom